سورة النازعات - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22)}
وثانيها: قوله: {ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى} وفيه وجوه:
أحدها: أنه لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسعى يسرع في مشيه، قال الحسن كان رجلاً طياشاً خفيفاً.
وثانيها: تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته.
وثالثها: أن يكون المعنى، ثم أقبل يسعى، كما يقال: فلان أقبل يفعل كذا، بمعنى أنشأ يفعل، فوضع أدبر فوضع أقبل لئلا يوصف بالإقبال.
وثالثها: قوله:


{فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)}
فحشر فجمع السحرة كقوله: {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي المدائن حاشرين} [الشعراء: 53] فنادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه، أو أمر منادياً فنادى في الناس بذلك، وقيل قام فيهم خطيباً فقال تلك الكلمة، وعن ابن عباس كلمته الأولى: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38] والآخرة: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى}.
واعلم أنا بينا في سورة (طه) أنه لا يجوز أن يعتقد الإنسان في نفسه كونه خالقاً للسموات والأرض والجبال والنبات والحيوان والإنسان، فإن العلم بفساد ذلك ضروري، فمن تشكك فيه كان مجنوناً، ولو كان مجنوناً لما جاز من الله بعثة الأنبياء والرسل إليه، بل الرجل كان دهرياً منكراً للصانع والحشر والنشر، وكان يقول ليس لأحد عليكم أمر ولا نهي إلا لي، فأنا ربكم بمعنى مربيكم والمحسن إليكم، وليس للعالم إله حتى يكون له عليكم أمر ونهي، أو يبعث إليكم رسولاً، قال القاضي: وقد كان الأليق به بعد ظهور خزيه عند انقلاب العصا حية، أن لا يقول هذا القول. لأن عند ظهور الذلة والعجز، كيف يليق أن يقول: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} فدلت هذه الآية على أنه في ذلك الوقت صار كالمعتوه الذي لا يدري ما يقول.
واعلم أنه تعالى لما حكى عنه أفعاله وأقواله أتبعه بما عامله به وهو قوله تعالى:


{فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25)}
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ذكروا في نصب نكال وجهين:
الأول: قال الزجاج: إنه مصدر مؤكد لأن معنى أخذه الله، نكل الله به، نكال الآخرة والأولى. لأن أخذه ونكله متقاربان، وهو كما يقال: أدعه تركاً شديداً لأن أدعه وأتركه سواء، ونظيره قوله: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
الثاني: قال الفراء: يريد أخذه الله أخذاً نكالاً للآخرة والأولى، والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم.
المسألة الثانية: ذكر المفسرون في هذه الآية وجوهاً أحدها: أن الآخرة والأولى صفة لكلمتي فرعون إحداهما قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38] والأخرى قوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24] قالوا: وكان بينهما أربعون سنة، وهذا قول مجاهد والشعبي وسعيد بن جبير ومقاتل، ورواية عطاء والكلبي عن ابن عباس، والمقصود التنبيه على أنه ما أخذه بكلمته الأولى في الحال، بل أمهله أربعين سنة، فلما ذكر الثانية أخذ بهما، وهذا تنبيه على أنه تعالى يمهل ولا يهمل الثاني: وهو قول الحسن وقتادة: {نَكَالَ الأخرة والأولى} أي عذبه في الآخرة، وأغرقه في الدنيا الثالث: الآخرة هي قوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} والأولى هي تكذيبه موسى حين أراه الآية، قال القفال: وهذا كأنه هو الأظهر، لأنه تعالى قال: {فَأَرَاهُ الاية الكبرى * فَكَذَّبَ وعصى * ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى * فَحَشَرَ فنادى * فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 20-24] فذكر المعصيتين، ثم قال: {فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى} فظهر أن المراد أنه عاتبه على هذين الأمرين.
المسألة الثالثة: قال الليث: (النكال) اسم لمن جعل نكالاً لغيره، وهو الذي إذا رآه أو بلغه خاف أن يعمل عمله، وأصل الكلمة من الامتناع، ومنه النكول عن اليمين، وقيل للقيد نكل لأنه يمنع، فالنكال من العقوبة هو أعظم حتى يمتنع من سمع به عن ارتكاب مثل ذلك الذنب الذي وقع التنكيل به، وهو في العرف يقع على ما يفتضح به صاحبه ويعتبر به غيره، والله أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8